فصل: مناسبة الآيتين لما قبلهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (25- 26):

قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما فرغ من هذه التربية في أثناء القصة وختمها بالترجية في الهداية للأرشد، وكان علم مدة لبثهم أدق وأخفى من علم عددهم، شرع في إكمالها مبينًا لهذا الأخفى، عاطفًا على قوله: {قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} [الكهف: 19] أو على {فأووا إليه} الذي أرشد إلى تقديره قولهم: {فأووا إلى الكهف} كما مضى، المختوم بنشر الرحمة وتهيئة المرفق بعد قوله: {إذ أوى الفتية} المختوم بقولهم {وهيىء لنا من أمرنا رشدًا} فقال بيانًا لإجمال {سنين عددًا} محققًا لقوله تعالى: {قل الله أعلم بما لبثوا}: {ولبثوا في كهفهم} نيامًا {ثلاث} أي مدة ثلاث {مائة سنين} شمسية بحساب اليهود الآمرين بهذا السؤال، وعبر بلفظ السنة إشارة إلى ذمها بما وقع فيها من علو أهل الكفر وطغيانهم بما أوجب خوف الصديقين وهجرتهم وإن كان وقع فيها خصب في النبات وسعة في الرزق، وذلك يدل على استغراق الكفر لمدة نومهم.
ولما كان المباشرون للسؤال هم العرب قال: {وازدادوا تسعًا} أي من السنين القمرية إذا حسب الكل بحساب القمر، لأن تفاوت ما بين السنة الشمسية والقمرية عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمسا ساعة كما تقدم في النسيء من براءة، فإذا حسبت زيادة السني القمرية على الثلاتمائة الشمسية باعتبار نقص أيامها عنها كانت تسع سنين، وكأن مدة لبثهم كانت عند اليهود أقل من ذلك أو أكثر، فقال على طريق الجواب لسؤال من يقول: فإن قال أحد غير هذا فما يقال له؟ {قل الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {أعلم} منكم {بما لبثوا} ثم علل ذلك بقوله تعالى: {له} أي وحده {غيب السماوات والأرض} يعلمه كله على ما هو عليه، ولا ينسى شيئًا من الماضي ولا يعزب عنه شيء من الحاضر، ولا يعجز عن شيء من الآتي، فلا ريب فيما يخبر به.
ولما كان السمع والبصر مناطي العلم، وكان متصفًا منهما بما لا يعلمه حق علمه غيره، عجب من ذلك بقوله تعالى: {أبصر به وأسمع} ولما كان القائم بشيء قد يقوم غيره مقامه إما بقهر أو شرك، نفى ذلك فانسد باب العلم عن غيره إلا من جهته فقال تعالى: {ما لهم} أي لهؤلاء السائلين ولا المسؤولين الراجمين بالغيب من أصحاب الكهف {من دونه} وأعرق بقوله تعالى: {من ولي} يجيرهم منه أو بغير ما أخبر به {ولا يشرك} أي الله {في حكمه أحدًا} فيفعل شيئًا بغير أمره أو يخبر بشيء من غير طريقه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وأما قوله تعالى: {وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} فاعلم أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف وفي قوله: {وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ} قولان: الأول: أن هذا حكاية كلام القوم والدليل عليه أنه تعالى قال: {سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} وكذا إلى أن قال: {وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ} أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ويؤكده أنه تعالى قال بعده: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضًا ما روي في مصحف عبد الله: وقالوا ولبثوا في كهفهم.
والقول الثاني: أن قوله: {وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ} هو كلام الله تعالى فإنه أخبر عن كمية تلك المدة، وأما قوله: {سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} فهو كلام قد تقدم وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر وهو قوله: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظاهرا} وقوله: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السموات والأرض} لا يوجب أن ما قبله حكاية، وذلك لأنه تعالى أراد: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السموات والأرض} فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب.
المسألة الثانية:
قرأ حمزة والكسائي {ثلثمائة سنين} بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك لأن قوله: {سِنِينَ} عطف بيان لقوله: {ثلثمائة} لأنه لما قال: {وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ} لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون فلما قال سنين صار هذا بيانًا لقوله: {ثلثمائة} فكان هذا عطف بيان له وقيل هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة.
وأما وجه قراءة حمزة فهو أن الواجب في الإضافة ثلثمائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله: {نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103].
المسألة الثالثة:
قوله: {وازدادوا تِسْعًا}؟ المعنى وازدادوا تسع سنين فإن قالوا: لم لم يقل ثلثمائة وتسع سنين؟ وما الفائدة في قوله: {وازدادوا تِسْعًا}؟ قلنا: قال بعضهم: كانت المدة ثلثمائة سنة من السنين الشمسية وثلثمائة وتسع سنين من القمرية، وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول، ويمكن أن يقال: لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قرب أمرهم من الأنبياء ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين ثم قال: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} معناه أنه تعالى أعلم بمقدار هذه المدة من الناس الذين اختلفوا فيها، وإنما كان أولى بأن يكون عالمًا به لأنه موجد للسموات والأرض ومدبر للعالم، وإذا كان كذلك كان عالمًا بغيب السموات والأرض فيكون عالمًا بهذه الواقعة لا محالة ثم قال تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} وهذه كلمة تذكر في التعجب، والمعنى ما أبصره وما أسمعه، وقد بالغنا في تفسير كلمة التعجب في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} [البقرة: 175] ثم قال تعالى: {مَا لَهُم مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ} وفيه وجوه.
الأول: ما لأصحاب الكهف من دون الله من ولي فإنه هو الذي يتولى حفظهم في ذلك النوم الطويل.
الثاني: ليس لهؤلاء المختلفين في مدة لبث أهل الكهف ولي من دون الله يتولى أمرهم ويقيم لهم تدبير أنفسهم فإذا كانوا محتاجين إلى تدبير الله وحفظه فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير أعلامه.
الثالث: أن بعض القوم لما ذكروا في هذا الباب أقوالًا على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب، فبين الله أنه ليس لهم من دونه ولي يمنع الله من إنزال العقاب عليهم.
ثم قال: {وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} والمعنى أنه تعالى لما حكم أن لبثهم هو هذا المقدار فليس لأحد أن يقول قولًا بخلافه.
والأصل أن الاثنين إذا كانا لشريكين فإن الاعتراض من كل واحد منهما على صاحبه يكثر ويصير ذلك مانعًا لكل واحد منهما من إمضاء الأمر على وفق ما يريده.
وحاصله يرجع إلى قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فالله تعالى نفى ذلك عن نفسه بقوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} وقرأ ابن عامر ولا تشرك بالتاء والجزم على النهي والخطاب عطفًا على قوله: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء} أو على قوله: {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} والمعنى ولا تسأل أحدًا عما أخبرك الله به من عدة أصحاب الكهف واقتصر على حكمه وبيانه ولا تشرك أحدًا في طلب معرفة تلك الواقعة وقرأ الباقون بالياء والرفع على الخبر والمعنى أنه تعالى لا يفعل ذلك.
المسألة الرابعة:
اختلف الناس في زمان أصحاب الكهف وفي مكانهم، أما الزمان الذي حصلوا فيه، فقيل إنهم كانوا قبل موسى عليه السلام وإن موسى ذكرهم في التوراة، ولهذا السبب فإن اليهود سألوا عنهم، وقيل: إنهم دخلوا الكهف قبل المسيح وأخبر المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الوقت الذي بين عيسى عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل إنهم دخلوا الكهف بعد المسيح، وحكى القفال هذا القول عن محمد بن إسحق.
وقال قوم: إنهم لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة.
وأما مكان هذا الكهف، فحكى القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم أن الواثق أنفذه ليعرف حال أصحاب الكهف إلى الروم، قال: فوجه ملك الروم معي أقوامًا إلى الموضع الذي يقال إنهم فيه، قال: وإن الرجل الموكل بذلك الموضع فزعني من الدخول عليهم، قال: فدخلت ورأيت الشعور على صدورهم قال وعرفت أنه تمويه واحتيال وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة لأبدان الموتى لتصونها عن البلى مثل التلطيخ بالصبر وغيره، ثم قال القفال: والذي عندنا لا يعرف أن ذلك الموضع هو موضع أصحاب الكهف أو موضع آخر، والذي أخبر الله عنه وجب القطع به ولا عبرة بقول أهل الروم إن ذلك الموضع هو موضع أصحاب الكهف، وذكر في الكشاف عن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله من هو خير منك، فقال: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا، فقال لابن عباس: لا أنتهي حتى أعلم حالهم، فبعث أناسًا فقال لهم: اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأحرقتهم، وأقول العلم بذلك الزمان وبذلك المكان ليس للعقل فيه مجال، وإنما يستفاد ذلك من نص، وذلك مفقود فثبت أنه لا سبيل إليه.
المسألة الخامسة:
اعلم أن مدار القول بإثبات البعث والقيامة على أصول ثلاثة.
أحدها: أنه تعالى قادر على كل الممكنات.
والثاني: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات.
وثالثها: أن كل ما كان ممكن الحصول في بعض الأوقات كان ممكن الحصول في سائر الأوقات فإذا ثبتت هذه الأصول الثلاثة ثبت القول بإمكان البعث والقيامة، فكذلك ها هنا ثبت أنه تعالى عالم قادر على الكل، وثبت أن بقاء الإنسان حيًا في النوم مدة يوم ممكن فكذلك بقاؤه مدة ثلثمائة سنة يجب أن يكون ممكنًا بمعنى أن إله العالم يحفظه ويصونه عن الآفة.
وأما الفلاسفة فإنهم يقولون أيضًا: لا يبعد وقوع أشكال فلكية غريبة توجب في هيولي عالم الكون والفساد حصول أحوال غريبة نادرة، وأقول: هذه السور الثلاثة المتعاقبة اشتمل كل واحد منها على حصول حالة عجيبة نادرة في هذا العالم فسورة بني إسرائيل اشتملت على الإسراء بجسد محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الشام وهو حالة عجيبة، وهذه السورة اشتملت على بقاء القوم في النوم مدة ثلثمائة سنة وأزيد وهو أيضًا حالة عجيبة، وسورة مريم اشتملت على حدوث الولد لا من الأب وهو أيضًا حالة عجيبة.
والمعتمد في بيان إمكان كل هذه العجائب والغرائب المذكورة في هذه السور الثلاثة المتوالية هو الطريقة التي ذكرناها.
ومما يدل على أن هذا المعنى من الممكنات أن أبا علي بن سينا ذكر في باب الزمان من كتاب الشفاء أن أرسطاطاليس الحكيم ذكر أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف، ثم قال أبو علي: ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا}.
في قراءة ابن مسعود قالوا لبثوا في كهفهم. وفيه قولان:
أحدهما: أن هذا قول اليهود، وقيل بل نصارى نجران أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، فرد الله تعالى عليهم قولهم وقال لنبيه {قل الله أعلم بما لبثوا}.
واتلقول الثاني: أن هذا إخبار من الله تعالى بهذا العدد عن مدة بقائهم في الكهف من حين دخلوه إلى ما ماتوا فيه.
{وازدادوا تسعًا} هو ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية.
{قل الله أعلم بما لبثوا} فيه وجهان:
أحدهما: بما لبثوا بعد مدتهم إلى نزول القرآن فيهم.
الثاني: الله أعلم بما لبثوا في الكهف وهي المدة التي ذكرها عن اليهود إذ ذكروا زيادة ونقصانًا.
قوله عز وجل: {أبصر به وأسمع} فيه تأويلان:
أحدهما: أن الله أبصر وأسمع، أي أبصر، بما قال وأسمع لما قالوا. الثاني: معناه أبصرهم وأسمعهم، ما قال الله فيهم.
{ما لهم من دونه من وَليّ} فيه وجهان:
أحدهما: من ناصر.
الثاني: من مانع. {ولا يشرك في حكمه أحدًا} فيه وجهان:
أحدهما: ولا يشرك في علم غيبه أحدًا.
الثاني: أنه لم يجعل لأحد أن يحكم بغير حكمه فيصير شريكًا له في حكمه. اهـ.